أعمال يسيرة وأجور عظيمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإنّ من عظم فضل الله تعالى أنه يضاعف الدرجات، ويقبل التوبة من عباده، ويحبّ التوَّابين، ويحبّ دعوة المضطرِّين، ويتجاوز عن المذنبين المسيئين إن صدقوا التوبة ولم يصرُّوا على ما فعلوا وهم يعلمون.وإنّ من كريم فضله وجزيل عطائه وثوابه أنه ـ تعالى ـ تعبَّدنا بأمور يسيرة في أدائها، عظيمة في أجورها وثوابها؛ ذلك لمحبته تعالى للمؤمنين وإكرامه لهم بما أعدّ لهم من النزل العظيم في جنته... وهذه الأعمال تزيد المؤمن إيمانا ومداومة على المسابقة إلى فعل الخيرات والطمع في مرضاة الله تعالى وما يثيبه من الحسنات ويكفر عنه من السيئات.
وهذه الأعمال التي رتب الله عليها الأجور الكثيرة يُغبَط من حافظ عليها ويُغبَن من فرَّط فيها، ولذا كان أسبق الناس إليها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم، فكانوا أحرص الناس عن السؤال عنها، وكانوا أشد الناس تأسفًا وتحسرًا إذا تأخّر عنهم بلوغ العلم بها.ومن أمثلة ذلك: ما أخرجه مسلم أنّ ابن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يصلي على الجنازة ثم ينصرف، وعندما بلغه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من تبع الجنازة حتى تدفن فله قيراط»، قال ابن عمر رضي الله تعال عنهما: «لقد فرَّطنا في قراريط كثيرة».قال الحافظ ابن حجر معلقا على قول ابن عمر: «وفيه دلالة على فضيلة ابن عمر من حرصه على العلم وتأسّفه على ما فاته من العمل الصالح» انتهى كلامه رحمه الله تعالى. «الفتح» (3/ 233 ).
وإذا كان هذا حال ابن عمر مع حرصه وشدّة اتباعه للسنّة، فكيف بحالنا مع تيسّر أمورنا وكثرة تقصيرنا؟ويقال أيضًا: إنّ من تصفح بعض أخبار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي يخبر فيها على حصول الأجور العظيمة رأى من فضل الله وواسع رحمته ما يزيده حبًّا لفعل تلك الخيرات والمبادرة إليها طمعا في مرضاة الله تعالى والفوز بثوابه.وإليك يا باغي الخير نصوصًا قليلة من نصوص كثيرة فيها تحصيل لأجور كثيرة لمن خلصت نيته.فمن الأعمال اليسيرة التي يترتب على فعلها أجور كثيرة:
1- متابعة المؤذن في أذانه: فعن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة» أخرجه مسلم.وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة» أخرجه البخاري.
2- قراءة آية الكرسي عقب كل صلاة وعند النوم: فأما عقب كل صلاة فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يحل بينه وبين دخول الجنة إلا الموت» أخرجه النسائي عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه.وأما قراءتها عند النوم: «... فلا يزال عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح» أخرجه البخاري.
3-قراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة كل ليلة: عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه» أخرجه البخاري ومسلم.وقوله صلى الله عليه وسلم: «كفتاه» قال أهل العلم: أي أجزأتاه عن قيام الليل بالقرآن. وقيل: «كفتاه» أي: دفعتا عنه الشرور والمكروه. وقيل: كفتاه في الإيمان لما اشتملتا عليه من الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل والابتهال إلى الله ودعائه وغير ذلك.قال الحافظ ابن حجر: «ويجوز أن يراد جميع ما تقدم من المعاني» انتهى كلامه.
4- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات» أخرجه مسلم عن أبي هريرة. وزاد الإمام أحمد والنسائي عن أنس مرفوعا: «وحطّ عنه عشر خطيئات ورفع له عشر درجات». وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا وحين يمسي عشرًا أدركته شفاعتي يوم القيامة» أخرجه الطبراني.ومما فرّط فيه بعض المسلمين عدم العناية بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، وهذا العمل منهم مع ما فيه من تفويت الأجر العظيم على أنفسهم، إلا أنّ فيه وصفًا مذمومًا لهم يبيّن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» أخرجه الإمام أحمد والترمذي والنسائي.
5- صيام يوم عرفة وصيام يوم عاشوراء: فصيام يوم عرفة يكفّر سنة سابقة وسنة لاحقة. قال صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده» أخرجه مسلم.وأما يوم عاشوراء فكفارة سنة سابقة. قال صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله» أخرجه مسلم.
6- الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات: فعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة». أخرجه الطبراني، وحسَّنه الألباني.
7- قول «سبحان الله وبحمده مائة مرة»: فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر» أخرجه البخاري ومسلم.
9- التعزية لأهل الميت في ميتهم أو مصاب في مصيبته: فعن عمرو بن حزم رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبته إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة» أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني.
10- تصافح المسلمين إذا سلم بعضهم على بعض: فعن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر» أخرجه الطبراني في «الأوسط» وله شواهد، وصححه الألباني.
11- عيادة المريض: فعن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع»، قيل: يا رسول الله ما خرفة الجنة؟ قال: «جناها» أخرجه مسلم. وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح وكان له خريف في الجنة» أخرجه الترمذي.
12- السعي في قضاء حاجة أخيك المسلم: فلا تتردد عبد الله في قضاء حاجة أنت قادر عليها، ففي ذلك أجور عظيمة؛ يؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: «لأن أمشي مع أخ في حاجة أحبّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد ( يعني مسجد المدينة ) شهرا» أخرجه الطبراني عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.ومما ينبغي أن يعلم في عموم لفظ هذا الحديث أنه يشمل صلاة المعتكف ليلة شهر اعتكافه، ومعلوم أنّ صلاة واحدة في مسجد المدينة تفضل بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
13- غسل الجمعة والتبكير إليها والمشي والإنصات للخطيب: فعن أوس بن أوس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غسّل يوم الجمعة واغتسل، ثم بكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع وأنصت ولم يَلْغُ، كان له بكل خطوة يخطوها من بيته إلى المسجد عمل سنة أجر صيامها وقيامها» أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم، وصححه الألباني.
14- قراءة سورة الكهف يوم الجمعة: فعن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» أخرجه الحاكم والبيهقي.وفي رواية أخرى عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له النور ما بينه وبين البيت العتيق». وصحح الألباني الحديثين.
15- الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ثم صلاة ركعتين: عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة» أخرجه الترمذي وصححه ابن باز والألباني.
16- الصلاة على الجنازة: وهذا أمر يحرص عليه كثيرون لكن يزهد كثير منهم في تشييعها حتى تدفن، ورغم سهولة هذا الأمر فقد رتب عليه الأجر العظيم؛ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان». قيل: وما القيراطان؟ قال: «مثل الجبلين العظيمين» أخرجه البخاري.
17- إنظار المعسر أو التخفيف عنه من دينه: فعن أبي اليسر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أنظر معسرًا أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله» أخرجه مسلم والترمذي بألفاظ متقاربة.وعن بريدة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أنظر معسرًا فله بكل يوم مثله صدقه قبل أن يحلّ الدَّين، فإذا حل الدَّين فأنظره فله بكل يوم مثلاه صدقة» أخرجه أحمد والبيهقي والحاكم، وصححه الألباني.وهذا الأمر فيه أجور عظيمة أخرى لعظيم المصالح المترتبة عليه؛ ففيه تنفيس للمسلم عن بعض كربته. قال صلى الله عليه وسلم: «من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» أخرجه مسلم. قال بعض العلماء: «تنفيس الكربة: تخفيف بعضها، وتفريجها: إزالتها كلها».ومن المصالح أيضا: أنّ فيه إدخالا للسرور عليه. قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا» أخرجه البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه.اللهم حبب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الرَّاشدين.اللهم زدنا لك حبًّا(1).