306-[هل الأرض تدور؟]
قال المحقق في تعليقه على قول البغدادي : "وأجمعوا على وقوف الأرض وسكونها" في بيان ما اتفق عليه أهل السنة من مسائل الركن الثاني وهو: "الكلام في حدوث العالم ":(قد ثبت بأدلة علمية أن الأرض تدور، وليس في القرآن ولا في السنة الصحيحة نص صريح قاطع لا يقبل التأويل يدل على أنها ليست تدور ،وهذه القضايا التي يذكرها المؤلف في هذه المسالة ما ورد بها كتاب و لا سنة وإنما هي أقوال لبعض أهل النظر يبطلها نظر مثل النظر الذي يثبتها،وليس في إثباتها ما يخالف عقيدة الإسلام لا في جملتها ولا في تفاصيلها ، لهذا كان القول الحق في هذه المسألة هو ما تقوم على تأييده أدلة العلم الصحيحة وإن خالفت المتعارف المشهور من أقاويل الفلاسفة المتقدمين ،فأما القرآن و السنة فإن ورد فيهما أو في أحدهما نص صريح قاطع لا يقبل التأويل في مسألة من المسائل الكونية أخذنا به و اعتقدنا مع ذلك أنه هو الحق الصواب، ومحال أن يجيء نص فيهما أو في أحدهما يخالف ما ثبت ثبوتا قاطعا بأدلة العقل، إذ لا يتصور من له أدنى مسكة من التفكير أن الدين الذي حفظ للعقل مكانته وأمر باستعماله في أدق مسائله وندد بمن يهمله أن يجري في حياته على خلاف مقتضاه،محال أن يأتي في هذا الدين شيء يخالف مقتضى العقول، نعم المسائل الكونية التي لم ينته العلماء من بحثها ولم يصلوا فيها إلى أمر قاطع و إنما يكون ما وصلوا إليه آراء ظنية ، وأفكارا يحتمل أن تثبت كما يحتمل أن يقوم الدليل غدا على عدم صحتها ،هذه هي التي يتعين على علماء الدين ألا يبتوا فيها برأي ثم ينسبوه إلى الدين ، ومن تفاهة التفكير أن يبدو لأحد العلماء رأي في مسألة من هذا النوع فينطلق رجال الدين يؤولون فيما بين أيديهم من النصوص لتطابق هذا الرأي قبل أن يثبت بقواطع الأدلة، وهذا القدر كاف الآن ، إذ ليس من غرضنا أن نكتب بحثا وافيا نضرب فيه المثل و نسرد النصوص المؤيدة لما نذهب إليه و الله الموفق.)
[الفرق بين الفرق لعبد القادر البغدادي (330) / تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد]