512-[تكذيب خبر رسالة عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما في فتح مصر]
قال د.محمد السيد الوكيل :" إن الروايات التي ذكرها بعض المؤرخين من أنّ عمروا ذهب لفتح مصر دون أن يأمره الخليفة، وأنه تصرف من تلقاء نفسه وأن الخليفة أرسل إليه رسولا يحمل كتابا يقول فيه: (إن وصلك كتابي هذا قبل أن تدخل مصر أو شيئا من أرضها فانصرف، وإن أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي هذا فامض لوجهك واستعن بالله واستنصره) وتمضي هذه الروايات فتسوق تحايل عمرو على عدم استلام الكتاب حتى دخل أرض مصر وعندئذ استلم الرسالة وسار متوجها إلى مصر. إن هذه الروايات لا يقبلها عقل عاقل ولا تستطيع الثبات أمام المناقشة العلمية الرصينة، فإن طبيعة عمرو رضي الله عنه وحزمه في معاملة الأمراء وعدم رضوخه لما يستحدثه ولاته من التصرفات التي لم يوافق عليها كل ذلك يأبى عليه أن يخضع لتصرف، بل إن الموقف يستدعي عزل عمرو واستبداله بغيره ومن يدري؟ لعل عمر إن سكت عن هذا التصرف ورضي بعد ذلك أن يكون أسلوبا يتعامل به مع الأمراء ولهم في ابن العاص أسوة وسابقة، ثم إن رسول عمر ما كان ليسكت على حيلة عمرو وهو قد لحق به قبل أن يدخل مصر فكان لابد أن يسلمه الكتاب ويلزمه بما فيه أو كان على الأقل يخبر الخليفة بما فعل عمرو، وحينئذ ترى كيف يكون موقف الخليفة منه؛ إن الذي تميل إليه النفس ويُطَمئن القلب ويوافق الوقائع التاريخية ويتناسب مع مواقف عمر الحازمة هو أن عمرو بن العاص غادر فلسطين متوجها إلى مصر بأمر الخليفة وأن عمروا ساق من الحجج والمبررات ما جعل الخليفة يقتنع بوجهة نظره ويوافق على فتح مصر."
[جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين دراسة وصفية تحليلية لأحداث تلك الفترة (209 و120) تأليف: د.محمد السيد الوكيل / دار المجتمع للنشر والتوزيع]
