مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

لقاء الشيخ السدحان مع جريدة الأنباء الكويتية

لقاء الشيخ السدحان مع جريدة الأنباء الكويتية الاثنين 30/7/1431هـ

- حرص أهل الكويت على العلم الشرعي ونشره يدعواني إلى التفاؤل بأن الكويت ستكون محطاً وقبلة لطلاب العلمالإمام العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى، على رأس الثلة القليلة التي بسط الله لها القبول عند الناس، وثقتهم بفتاواه ونصحه، وارتباطهم بميراثه العلمي من الكتب العلمية والأشرطة المسموعة، وفي ذلك دلالة على صدق ديانته، حيث تظهر في سيرته أثار الصدق والإخلاص واضحة خاصة لمن جالسه وتتلمذ على يديه، أو قرأ كتبه وسمع محاضراته، ففي الشيخ خصال كريمة كثيرة تفرقت في غيره لكن جمعها الله فيه، هذا ما أكده الداعية السعودي د.عبدالعزيز محمد السدحان، أحد أبرز طلبة الإمام الراحل ابن باز رحمه الله.

وأوضح السدحان أن الإمام ابن باز لم يقل بتكفير من يقول بكروية الأرض كما يزعم البعض، مطالبا بالتريث فيما ينقل عن العلماء الأكابر خاصة، ومشيرا في الوقت نفسه إلى أن انتقاص العلماء والنيل منهم على أيدي الجهال وأهل الأهواء سنة من الله ماضية في عباده.

وتمنى السدحان على طلبة العلم الذين كانوا يحرمون الخروج في الفضائيات والآن هم يخرجون فيها أن يعتذروا ويبينوا أسباب تراجعهم حتى لا يفقدوا مصداقيتهم عند الناس، لافتا إلى أهمية تثبتهم في إطلاق الأحكام في الأمور المستحدثة خاصة، ومطالبا إياهم بتكثيف القراءة في مقاصد الشريعة ومعرفة نهج تعامل السلف الصالح مع الفتن حتى لا يقعوا في الزلل.

«الأنباء» التقت عضو هيئة التدريس بالكلية التقنية بالعاصمة الرياض د.عبدالعزيز السدحان الذي أشاد بشباب الكويت من دعاتها وطلبة العلم فيها، وما يتميزون به من الحرص على إقامة ودعم الدورات العلمية المكثفة سواء داخل الكويت أو خارجها، ومدى عنايتهم بالعلم الشرعي ونشر الكتب النافعة، وقد تضمن اللقاء نصائح لخطباء المساجد أيضا، وفيما يلي تفاصيل اللقاء:

كونك أكرمك الله بالتلمذة على يدي الشيخ ابن باز رحمه الله ومعاشرته فترة من الزمن، نود أن تحدثنا عن سر قبول كثير من الناس وطلبة العلم لفتاوى الشيخ وكتبه؟ من المعلوم أن أهل العلم لهم من القبول والمكانة في مجتمعاتهم ما يتميزون به عن غيرهم، إلا أنهم يتفاضلون في ذلك، ولعل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى يعتبر من الثلة المقدمة عند الناس، بل قد يكون في رأس هذه الثلة من حيث القبول عند الناس، ومن حيث ثقتهم في فتاواه وقبول كلامه ونصحه، ولعل من الأسباب التي جعلت لسماحته قبولا عند المسلمين أننا نحسب سماحة الشيخ ابن باز من الصادقين في ديانتهم، والأمور الباطنة علمها عند الله عز وجل، لكني أقول ان ظهور أثر الصدق وقرائن الإخلاص في سيرته واضح لمن جالسه وتتلمذ عليه، بل لمن قرأ كتبه وسمع الأشرطة الصوتية المتضمنة لكثير من فتاواه ومحاضراته، وفي الشيخ أيضا خصال كثيرة قد أقول انها تفرقت في غيره وجمعها الله فيه، فعند بعض الناس علم لكن ينقصهم الكرم، والبعض عنده كرم لكن ينقصه تبسط مع الناس، وعند البعض تبسط مع الناس لكن ينقصه الكرم وهكذا، وقد جمع الله للشيخ خصالا كثيرة، من حيث غزارة العلم، ومن حيث سهولة الأسلوب في إيصال العلم للناس بطريقة واضحة، ومن حيث لين الجانب للناس والتواضع لهم ومن حيث الكرم وفتح باب بيته للجميع، ومن حيث التعاون مع الأخرين، كل هذه الأمور وغيرها جعلت لسماحة الشيخ قبولا عند عامة الناس.

التثبت..

كروية الأرض اشتهر عند البعض إتهام الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله بتكفيره لمن يقول بكروية الأرض، فما حقيقة هذه الادعاء؟ بداية يجب على المسلم أن يتثبت فيما ينقل عن كل أحد، عن كل المسلمين بل حتى عن الكفار، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)، فلا ينقل المسلم إلا بتثبت حتى لا يحمل الإنسان ما ليس له، فكيف إذا كان المنقول عنه مسلما بل من العلماء الكبار، ثم لو قدر أنه قد قاله، مع أن الشيخ رحمه الله لم يقل بتكفير من يقول بكروية الأرض بحد علمي، فالمنهج الصحيح في مثل هذه الأمور يوجب علينا أنه إن كان المتكلم عالما مشهودا له بالصدق فعلينا التريث في أمره، ولا يعني ذلك أن نقول انه معصوم، لكن ينبغي أن ينظر إلى كلامه ويحترم قبل أن يحكم عليه، لأن تخطئة العالم تختلف عن تخطئة غيره، فلو قدر أنه أخطأ وأن رأيه خالف الدليل فإننا نقول أخطأ وله أجر على اجتهاده وهو أهل لذلك، هذا في حال تنزلنا في الأمر وسلمنا بأنه أخطأ فيما نقل عنه.

النيل من العلماء والدعاة

- ما رأيك في الهجوم على العلماء والدعاة الذي كثر في الآونة الأخيرة عبر الصحافة والفضائيات؟ أولا أهل العلم الكبار لهم استقلالية خاصة ووضعهم الخاص، وآذيتهم سابقة فيما تقدم في التاريخ الإسلامي، فمن يقرأ التاريخ يعرف أن العلماء قد ابتلوا من طوائف من الناس، سواء من جهلتهم أو من أهل الأهواء فيهم، وهذه الابتلاءات سنة ماضية، بل من مناقب صاحب العلم أنه إذا ابتلي وخاصة البلاء بحق تعامل معه بمنهج شرعي، فإذا ابتلي العالم والداعية إلى الله وظلم فليحتسب أجره وثوابه عند الله، وليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطأه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.

- البعض يتهم الدعاة الإسلاميين بالتخبط في آرائهم، ففي بداية الأمر كان البعض منهم يحرم الخروج على الفضائيات، والآن الكثير منهم يتزاحم للخروج فيها، فما تعليقكم؟ أنا أتمنى على الناس الذين كانوا يحرمون الخروج على الفضائيات أن يقولوا للناس «نعم نحن كنا نحرم لأسباب»، لأن الناس يحتاجون إلى بيان ما حدث وإلا سيبقى الناس على سوء الظن بهم، فالذي كان يتبنى قولا ثم رجع عنه وتكلم الناس فيه لابد عليه ان يبينه لهم، ويقول انه أخطأ، وانها كانت وجهة نظر خاطئة، ووجهة نظر وتغيرت، أو بدا لي في الأمر شيء آخر، فبهذا يكون له مصداقية عند الناس، فأي شخص يتبنى قولا ثم يخرج إلى الناس بخلافه فإن الناس لن ترحمه وسيكون موضع تهمة، وقديما قالوا «من عرض نفسه لمواقع التهم فاتهموه»، فعليه إذن أن يبين سبب تغيير قوله إن كان قد تغيير، أو يقول ان قصدي بالضوابط هذه كذا وأنا أخطأت، فمثل هذا الاعتراف والاعتذار يحسب له، وأما إذا تناقض وأتى بكلام فيه غموض فإنه سيفقد مصداقيته عند الناس، فهناك بعض طلبة العلم خرج على الفضائيات فطعن به آخرون بعض طلبة العلم أيضا، ثم الآن الطاعنون أنفسهم يخرجون على الفضائيات، فالأولى أن من كان له رأي مخالف في السابق أن يعترف أن له تصورا وتسرع فيه وقد أخطأ، فمثل هذا الفعل منقبة ومحمدة، والناس تريد من هؤلاء ومن غيرهم أن يعترفوا بالخطأ كما كان يفعل السلف الصالح.

- هل يقال إذن على طلبة العلم التريث في الحكم على الأمور المستحدثة الآن، خاصة فيما يتعلق بوسائل الاتصالات الجديدة كبعض خدمات الإنترنت والتلفونات النقالة، من مثل البلوتوث والفيس بوك؟ يجب وجوبا على طلبة العلم ألا يتكلموا في الأمور المستحدثة بأي كلمة في مجال الشرع إلا بعد التثبت، وحتى يبحثوا عن مدى تحقق المصالح الشرعية، لذلك أوصي نفسي وإخواني بتكثيف القراءة في مقاصد الشريعة ونهج تعامل السلف الصالح مع الفتن حتى تكون المصالح المكتسبة أكبر وتزول الفتن.  

- نود منك رسالة توجهها إلى بعض خطباء المساجد الذين قد يتهاونون في أهمية إعداد خطبة الجمعة؟ الخطبة هي رسالة عامة للمسلمين، وعلى الخطيب أن يحترم عقول من تحته من المصلين وأن يعتني بحسن اختيار عنوان خطبته، وان يجتهد في معالجة الأمر حسب استطاعته، وعليه أن يعلم أن المصلين يوم الجمعة قد أتوا متطهرين متطيبين متهيئين لسماع الخطبة، ومع الأسف هناك بعض الخطباء لا يتهيأ للخطبة إلا قبيل صعود المنبر بنصف ساعة، يجمع فيها وريقات متفرقة، ثم يبدأ في إلقاء هذا الكلام دون مراعاة عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وفي هذا يقول أحد المستشرقين «لو اجتمع لي الناس اجتماع الناس للخطيب لنصرت أكثر أهل الأرض»، ونحن نعلم أن الخطبة في كل أسبوع، وبعض الناس لا يصلون إلا كل جمعة والله المستعان، وقد يحضر محاضرة ولا يستمع إلى درس أبدا إلا يوم الجمعة، فعلى خطيب الجمعة أن يستعد لخطبة الجمعة أكثر من استعداده للدرس العلمي والمحاضرة والموعظة، لأن الجمعة يحضرها عوام الناس وعلماؤهم وطلبة العلم، حتى بعض النساء يحضرن لسماع الخطبة، ومن صفات الخطيب حسن إعداد الموضوع وحسن الإلقاء والاختصار وعدم الإطالة في الخطبة والمواظبة على وقت الخطبة دخولا وخروجا، لأن بعض الناس إذا عرفوا أن الخطيب عنده حسن تنظيم وأداء تشجعوا للحضور وللاستماع لما يقول.

مشاركة الآمال والآلام

- تعلم ما يحدث في فلسطين وفي أرض المقدس من مآس على أيدي اليهود، فما واجبنا كمسلمين تجاه إخواننا هناك؟ المسلم يشارك إخوانه آلامهم وآمالهم، ويتفاعل معم في جميع قضاياهم، والقدس هي قضية من قضايا المسلمين الكثيرة، فلا يتخاذل أحد عن نصرتهم لا ماديا ولا معنويا، ولكن الطرق في هذه العملية تختلف، والذي أرى أنه قد يكون من الأسباب النافعة هو تكوين لجنة أو هيئة كبيرة من شتى بلاد المسلمين لوضع الحلول بين الطوائف الفلسطينية المتنازعة خصوصا، ووضع منهجية التعامل مع القضية عالميا عموما، وهذه القضية أخذت أبعادا وطال وقتها فلا نيأس ولا نقنط من رحمة الله، والإنسان كلما تقادم معه الزمن ازداد ثباتا، لكن معالجة هذه القضايا يجب أن تكون وفق النصوص الشرعية وعلى منهج سلف الأمة وعلى ضوء مقاصد الشريعة.

قبلة لطلبة العلم

- على ضوء تردادك على بلدك الثاني الكويت، فما تقييمك لأنشطة الدعاة وطلبة العلم هنا؟ قلتها في أكثر من مجلس ولا أزال أقولها، أنا أتفاءل أن تكون الكويت محط ركاب لكثير من طلاب العلم لما رأيت من حرص على طلب العلم والحرص على نشره، وشباب الكويت حقيقة لهم تميز قد يفوق غيرهم من حيث العناية بالعلم ونشر الكتب الشرعية، وكذلك الحرص على الدورات العلمية من حيث حضورها أو دعمها في الخارج، وهذه شهادة صدق عبر زيارتي المتكررة، وأسأل الله لهم التوفيق والسداد في ختام هذا اللقاء. 

مقالات ذات صلة