مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

مقدمة (كتاب منهج الإسلام في سلامة الإنسان)

الحمد لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإنّ من الضروريات الكبرى التي جاءت جميعُ الأديان السَّماوية بالأمر بحفظها: حفظ النفس، وحفظ المال... ولقد جاء في القرآن الكريم والسنّة النبوية كثيرٌ من النصوص التي تبيِّن أهمية المحافظة على الأرواح والممتلَكات، كما في قوله تعالى: ﴿ ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة ﴾، ﴿ ولا تقتُلوا أنفُسَكم ﴾.وبكلّ حال؛ فالمحافظة على الأرواح والممتلَكات أمرٌ غريزيّ فطريّ، وليس مقصورًا على أحَد دون أحَد، بل يشتركُ في هذا جميعُ عُقلاء البشَر، ولذا كانت جميعُ دُوَل العالَم تُعنى بأمور السَّلامة على اختلاف أنواعها، وتقوم وسائل الإعلام المرئيَّة والمقروءة والمسموعة ببيان ذلك للناس.ومن كمال دين الإسلام ـ كما تقدّم ـ أنّه حثّ على العناية بوسائل السلامة والمحافظة على الممتلَكات، فالمُسلم يتعبَّدُ اللهَ تعالى بفعل الأسباب التي تحفظ عليه نفسَهُ وممتلكاتِه، سواء الخاصَّة له أو لغيره.

ومن النصوص الشرعية في ذلك: قوله ﷺ: «النارُ عدُوٌّ فاحذَروها». أخرجه مسلم. وقوله ﷺ: «إذا نِمتُم فأطفئُوا سُرُجَكُم، فإنّ الفأر تأخذ الفتيلةَ فتحرقُ أهلَ البيت». أخرجه الإمام أحمد.ففي هذين الحديثين التحذيرُ من التهاوُن بالنار، والأمرُ بفعل الأسباب لدفع الضرر.

ومن الأحاديث أيضًا: «أنّ النبيَّ ﷺ نهى عن النوم على سطح ليس بمحجور عليه». أخرجه الترمذي؛ لأنّ النائم على مثل ذلك السطح عُرضة للسقوط لعدم وجود حاجز يمنعُه.

ومن الأحاديث أيضًا: قوله ﷺ: «مَن أشارَ على أخيه بحَديدَة فإنّ الملائكةَ تلعنُه وإن كان أخاهُ لأبيه وأمِّه». أخرجه مسلم. والمراد بالحديدة: السلاح وما فيه معناه، كسكين، وخنجر، وسيف، ورُمح، ويلحق بذلك البنادق، والآلات الحادَّة؛ لأنّ في ذلك تخويفًا وترويعًا للمسلم، وقد يُخطئ المشير فيضرُّ المشار إليه.

ومن ذلك: «نهيُه ﷺ أن يتعاطى السيف مسلولًا». أخرجه الإمام أحمد؛ لأنّ إعطاء السيف للآخَر وهو مسلولٌ قد يتسبَّب في جرحه، فنُهي عن ذلك.

وممَّا يتعلق بحفظ الممتلكات: قوله ﷺ: «لا يأخُذنّ أحدُكم متاعَ صاحبه لاعبًا ولا جادًّا». أخرجه الإمام أحمد؛ لأنه إذا أخذ متاعَ صاحبه جادًّا فهي سرقة، وإن أخذهُ لاعبًا فقد أخاف أخاه، وعلى صاحب المال والمتاع أن يحفظ متاعه عن الآخَرين حتى لا يتعرَّض لسرقة أو ضياع.

فهذه النصوص وما قبلها قليلٌ من كثير ممَّا جاء به الإسلامُ في حفظ النفوس والممتلَكات، والمسلمُ ينال الأجر والثواب إذا فعل الأسباب وأخذَ من الوسائل التي تحفظ نفسَهُ ومالَه؛ لأنّ ذلك ممَّا أمرَ اللهُ تعالى به.

شاهد المقال: أنّ هذه الرِّسالة التي بين يديك تُعنى بشأن منهج الإسلام في سلامة الإنسان، بذل فيها صاحبُها المقدّم/ عبدالرحمن بن سعد الحسيني جهدًا مشكورًا في بيان شمولية الإسلام لا في السلامة فحسب، بل في جميع شؤون الحياة، وذلك في إيراد الباحث للضروريات الخمس ـ أو الكلِّيات الخمس ـ التي جاءت جميع الأديان السماوية بالأمر بحفظها وعدم العبث بها.وممَّا زاد قيمة الرِّسالة استقراء كثير من الأدلة الشرعية المتعلِّقة بالسَّلامة في المباحث التي ذكرها: سلامة الطريق، المنزل، العمل، أماكن الترفيه، المجتمع...ثم أعقب كل مبحث بوسائل السلامة المعاصرة؛ ليتّضح للقارئ أنّ الإسلام قد عني بكلّ ما فيه صلاح للعباد والبلاد، وأنّ كل ما فيه مصلحةٌ للناس فأصله في الإسلام.

ختامًا... شكر اللهُ تعالى للمقدّم/ عبدالرحمن بن سعد الحسيني حُسن صياغته وترتيبه لموضوع رسالته، وأحسبُ ـ إن شاء الله تعالى ـ أنّ بوادر التوفيق الإلهي ظاهرةٌ في رسالته.والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.

عبدالعزيز بن محمَّد بن عبدالله السَّدحان

مقالات ذات صلة