مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

إحصائيات

ما بين فينه وأخرى ، يُطالع الناظر في بعض الصحف والمجلات عن إحصائيات تقريبية لأعداد المسلمين في العالم .فإذا رأى الناظر ذلك الرقم الرهيب في عدده أخذته نشوة الفخر والفرح ، وهذا بحد ذاته مزلق خفي .
وبيان ذلك أن يقال: أن كثرة الأعداد ليست دليلا على الخيرية ولا مدعاة للفخر ، ولذا ورد ذم الكثرة في آيات كثيرة .
فمن ذلك قوله تعالى: ﴿ وأن كثيرا من الناس لفاسقون ﴾، ﴿ وأن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ﴾، ﴿ وأن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ﴾، ﴿ وأن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم ﴾، ﴿ ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والأنس ﴾، ﴿ وأن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون ﴾، ﴿ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون ﴾ . إلى غير ذلك من الآيات.
وفي المقابل جاء مدح القليل والثناء عليهم .﴿ وقليل من عبادي الشكور ﴾، ﴿ إن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلاَّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ... ﴾، ﴿ كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ﴾، إلى غير ذلك من الآيات في هذا الباب .
شاهد المقال: أن عامل الكثرة مجردا من لوازمه ، لا يكون مبشرا بالخير أو مدعاة للتفاؤل .بل على النقيض من ذلك فهو مدعاة لاختلاف الوحدة وتفرق الكلمة وضياع الجهود .يؤكد هذا ويقرره قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : «يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها . قيل : يا رسول الله ! فمن قلة يومئذ ؟ قال : لا . ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، يُجعل الوهن في قلوبكم . وينـزع الرُعب من قلوب عدوكم ، لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت» أخرجه الإمام أحمد وأبو داود عن ثوبان – رضي الله تعالى عنه.
ففي هذا الحديث الصحيح الصريح بيان واضح أن الكثرة ليست مؤشر خير بل قد يصحبها من الخصال ما يجعلها عامل هدم وتفريق في وحدة الأمة ، وأن الناظر بعين الإنصاف والتجرد من الهوى في حال كثير من المسلمين اليوم ليرى عجبا ويسمع عجبا من اختلاف كلمتهم ، وتنافر قلوبهم ، وكثرة الشقاق بينهم ، فنتج من نزع هيبتهم من صدور عدوهم ، مما جعلهم لقمة سائغة في أيدي الأعداء وأفواههم يمضغونها متى شاؤا وكيف شاؤا ، ويلفظونها متى شاؤا وكيف شاؤا في أي مكان شاؤا .
وإذا أردت مصداق ذلك فانظر واقرأ واسمع عن أحوال المسلمين ، فحدِّث عن تشريد العباد ولا حرج ، وحدِّث عن انتهاك الأعرض ولا حرج ، وحدِّث عن سلب البلاد ولا حرج .
بل انظر إلى حفنة اليهود ، وأنهم لشرذمة قليلون ، وأنهم لنا لغائظون ، فكم يبلغ عددهم مقارنا بأعداد من حولهم – فقط – من المسلمين .لا تبلغ شرذمة يهو عشر معشار من حولهم من المسلمين .ولكن لوحدة كلمتهم واجتماع صفهم فرضوا أنفسهم بقوة وأنفة ولم يرقبوا في مؤمن إلاّ ولا ذمة.
أمَّا أهل الإسلام فلا عز لهم ، ولا تمكين إلا بالتمسك الصحيح بدينهم ، وطرح الشقاق جابنا وابتغاء نصرة هذا الدين فبذا وذاك ترجع لهم كرامتهم وهيبتهم : ﴿إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم﴾. وإن كانت الأخرى فلا نلم إلا أنفسنا: ﴿وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ﴾. الله نسأل أن يعز الإسلام وأهله ، وأن يذل الشرك وأهله .. إنه سميع مجيب.

مقالات ذات صلة