مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

رسالة للرئيس الجزائري عبدالعزيز بو تفليقة

فخامة الرئيس/ عبد العزيز بو تفليقة رئيس دولة الجزائر .. المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..أما بعد :

فخامة الرئيس .. اسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وبصفاته العلى أن يجعلك مفتاح خير ومغلاق شر .فخامة الرئيس .. لتعلم رعاك الله تعالى أنَّ كثير ممن يسوسون الدول يفرضون هيبتهم بالحديد ولنار مما يؤجج النفوس ويلهب المشاعر حتى يتمنى الشعب زوال الرئيس أو هلاكه ، فإذا مات الرئيس أو ترك الرئاسة أو تركته الرئاسة فرح الناس بزواله بسبب سوء سيرته وظلمه . هذا في الدنيا .. وأما في الآخرة فهناك المطالب بحقه عند الله تعالى ، وهناك المظلوم أيّاً كانت مظلمته ، فاحذر فخامة الرئيس أن تكون من هؤلاء .

واعلم رعاك الله تعالى أنَّ صلاح الرئيس صلاح لمن تحته في غالب الأحوال ، فلتكن فخامة الرئيس قدوة لوزرائك وسفرائك وجميع العاملين في حكومتك ، تحبّب إلى شعبك بما فيه صلاح دينهم ودنياهم ، وقّر كبيرهم وارحم صغيرهم وعُدْ مريضهم ، وليكن الكبير لك والدا والصغير لك ولدا ، ومن في عمرك أخوانا وأخوات لك ، شارك الفقراء آلامهم وافعل ما تستطيع أنت وحكومتك وأثرياء بلدك لإسعادهم .ثم احرص جاهداً بما آتاك الله تعالى من قوة أجهزة وقوة موظفين وقوة صلاحيات احرص بارك الله تعالى فيك على تتبع مواطن الفساد في أجهزة الدولة ، وسارع بإصلاح المسؤول الفاسد الذي خان أمانته وقدّم مصلحته ، فمثل هذا كمثل العضو الفاسد إذا لم يمكن إصلاحه فلا بد من بتره وإزالته ؛ لأنه كالسرطان إذا بقي في الجسد زاد أثره فأثّر على سائر الجسد .

فخامة الرئيس .. لتعلم رعاك الله تعالى أنَّ أساس النجاح والتوفيق في جميع الأمور مراقبة الله تعالى في السر والعلن وفي القول والعمل ، وبخاصة إذا كان الرجل مسؤولا فكيف إذا كانت مسؤوليته جسيمة والأمانة عظيمة ؟!

فخامة الرئيس .. لتعلم رعاك الله تعالى أن من خير من يُستعان به بعد عون الله تعالى البطانة الصالحة التي تذكّرك إذا نسيت وتعينك إذا ذكرت ، فاحرص وفّقك الله تعالى على قرب أولئك وتقريبهم إليك ، فالجليس الصالح كحامل المسك إما أن تبتاع منه أو تجد منه ريحا طيبة ، كما صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .وأحذر رعاك الله تعالى من جلساء السوء والبطانة الفاسدة التي لا همّ لها إلاّ أن تحقق مطالب شهواتها وشبهاتها على حساب سمعتك ، فإذا ما وقعت الكارثة نفضوا أيديهم عنك وتركوك وحيداً بل ربما كانوا أسرع الناس في اتهامك ولومك ، وهذا هو ديدن البطانة الفاسدة تبحث عن مصلحتها على حساب غيرها ، بل قد تتظاهر أمامك بأنها تسعى لمصلحة الدولة والشعب وهم يريدون الضرر بالدولة والشعب .فأحذر فخامة الرئيس من أولئك الذين يلبسون جلود الضأن على أجسام الذئاب والثعالب .

فخامة الرئيس .. دولتكم من دول الإسلام ، بل من قارات الإسلام ، وقد شهد التاريخ ودوّنت صفحاته ما لهذا البلد من مساهمات في تاريخ الإسلام والبشرية والحضارة . فكم أنجبت الجزائر من العلماء والقادة ، فدولتكم قد أنعم الله تعالى عليها بمساحتها الشاسعة وبثروات الخير  فيها ، وقبل ذلك وبعده بكثرة العقول النابغة من أهلها ، وهؤلاء قادرون بإذن الله تعالى على جعل الجزائر دولة ينعم أهلها بالأمن والأمان والراحة والاستقرار {وما ذلك على الله بعزيز}.

لكن فخامة الرئيس .. قد جعل الله تعالى لكل شيء سببا ، فاحرص رعاك الله تعالى أنت وحكومتك على استشعار هذا الأمر وبخاصة في هذا الوقت الذي تمر فيه الجزائر بحالة تبكي المحب وتحزن الصديق وتفرح العدو .فكم قرأ الناس وسمعوا وشاهدوا من الحوادث المفجعة ، نسأل الله تعالى أن يجبر مصابكم وأن يرفع عن الجزائر البلاء والفتن .وإنَّ من بشائر الخير أن الأخبار القادمة من الجزائر تبشّر أنَّ الأوضاع بحمد الله تعالى تتقدم من حسن إلى أحسن ، نسأل الله تعالى أن يحفظ الجزائر وأهلها من شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .

فخامة الرئيس .. أوصيك بالأجيال القادمة ، أولئك الأطفال الذين سيكونون شبابا ثم رجالا يمسكون بمصالح الدولة وقيادتها .تعاهد أولئك الناشئة بإصلاح برامج التعليم والإعلام ، وأنت تعلم بارك الله تعالى فيك أن وسائل التعليم والإعلام هي التي تبني العقول وتهذب النفوس ، فاحرص جاهدا على تحصين التعليم والإعلام مما يحارب الفضيلة ويوالي الرذيلة .

احرص سلّمك الله تعالى أن يكون لك أثر واضح في ذلك ، فوالله إن سلامة العقول والقلوب أعظم من خصال الرذيلة ، وفتن الشبهات والشهوات أعظم من ثروات المال . فعَظِّم شأن توحيد الله تعالى في نفوسهم ، احرص على تنشئتهم على عقيدة سليمة من البدع والخرافات .

فيا فخامة الرئيس .. تأمل كلامي هذا ، فوالله إني لك ناصح ومحب للخير لك.وأوصيك بدعاء الله كثيرا وبالتضرع بين يديه ، وحاسب نفسك في جميع أمورك ، فإن عَلِم الله تعالى منك الخير والصدق - وأنت كذلك إن شاء الله تعالى – فسترى من الله تعالى ثم من شعبك ما تحب وما ترضى ، هذا في الدنيا وأمّا في الآخرة فما عند الله خير وأبقى .فوالله يا فخامة الرئيس ما خاب عبد عظّم شعائر الله تعالى ، ما خاب عبد جعل مراقبة الله تعالى نصب عينيه ، ما خاب عبد سأل عن مرضاة الله تعالى قبل أن يتخذ قراره ، اسأل الله تعالى لك التوفيق في رئاستك .

ونداء آخر أوجهه إلى الأخوة المتحصّنين في الحبال إلى حملة السلام .. يا إخواننا .. والله إنّا لكم محبون ولكن ناصحون وعليكم مشفقون .إخواني .. أقسم لكم بالله تعالى ثلاثا أن ندائي لكم من باب المحبة لكم والرأفة بكم ، ووالله لم نعط دينار ولا درهما ، بل والله ما دفعني إلى ذلك إلاَّ محبة الخير لكم ولدولتكم .أخوتي الأكارم .. أناديكم بما شرّفنا الله تعالى به ، أناديكم بالإسلام ، أناديكم من منطلق النصيحة ، أناديكم من منطلق الأخوّة ، أناديكم من حق المشاركة في آلامكم وآمالكم .

أيها الأخوة .. والله وبالله وتالله إن حمل السلام ومجابهة الدولة مما يزيد الفساد والإفساد ويفرح الشامتين بكم وبدينكم ودولتكم .يا معشر الأخوة .. إن من الخطورة بمكان أن يُنسب إلى الإسلام ما قد حذّر منه الإسلام .أيها الأخوة .. قتل عصفور بغير حق لا يجوز ، فكيف بقتل آدمي معصوم ؟!فيا أيها الأخوة .. انظروا وتأمّلوا الأمر ، كم أريقت من دماء أمهات وآباء وأولاد وأطفال ؟ ما ذنب أولئك ؟! سلوا أنفسكم عن تلك الأنفس .. بأي ذنب قتلت ؟! مئات بل آلاف من القتلى كانوا يريدون الارتواء من علمكم ومن خيرات بلادكم فارتوت الأرض من دمائهم ، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون .

يا أيها الأخوة .. تأمّلوا في نتائج تلك الأحداث وما ترتب عليها، ظهرت مفاسد وغابت مصالح ، ألم تعلموا أن الشامتين بكم وبدينكم قد تنفّسوا الصعداء ؟ ألم تعلموا أن كثيراً من الناس قد نفر من المتدينين ؟ يا إخواننا .. يا أحبتنا .. إلى متى تبقون على الوضع الذي يُفسد ولا يُصلح ، ويهدم ولا يبني؟ يا أحبتنا .. أنتم طلبة علم ، والخطأ من مثلكم يختلف كثيرا عن خطأ غيركم.

يا أخوتنا .. ألم تقرؤوا في كتب أهل العلم الراسخين التحذير من إشعال الفتنة ؟ فكيف بالسعي إليها ؟! فكيف بالمشاركة فيها ؟! وأعظم من ذلك الاستمرار فيها !! .أيها الأخوة .. ألم تقرؤوا كلام العلماء عن مقاصد الشريعة ما يتعلق بتقديم المصالح ودرء المفاسد ؟! يا أحبتنا .. أغاب عنكم هذا ؟ كيف ذلك ؟! وأنتم ممن عُرِف عنكم محبة العلم الشرعي !! .ألم تقرؤوا وتسمعوا ما كتبه عن حالكم الإمامان الكبيران المشهود لهما بالديانة والأمانة والرسوخ في العلم سماحة الشيخ ابن باز وفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمة الله تعالى عليها ؟فقد بيّنا خطورة حمل السلاح والاستمرار في القتال .

فيا أيها الأخوة .. أذكركم الله تعالى في أنفسكم ، أذكركم الله تعالى فيما يترتب من الضرر والإضرار في حمل السلاح ، فوالله أن الاستمرار في حمل السلاح يخالف مقاصد الشريعة الرامية إلى دعوة الناس للخير .فتلك الأفعال والتصرفات من حمل السلاح والمواجهة تزيد الشر وتدفع الخير ، والحذر الحذر فمن سنَّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

يا أيها الأخوة .. ألم يقرر أهل العلم أن على المصلح أن يسعى قدر جهده في إصلاح الخلل ، فإن تمَّ له إصلاح الخلل بها ونعمت وإلا فقد برئت ذمّته وثبت أجره .يا أيها الأخوة .. من قال لم أن براءة الذمة لا تكون إلا بزوال المنكر قد أخطأ في حقكم بل والله قد غشّكم لأنه أفتاكم بلا علم .

وبيان ذلك : أن النصوص الشرعية جعلت الاستطاعة حداً لبراءة الذمة ، كما قال تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )) أخرجه مسلم في صحيحه .

فانظروا كيف جعل النبي صلى الله عليه وسلم تغير المنكر متعلقا بأنواع الاستطاعة .ثم اعلموا وفّقكم الله تعالى أن تغيير المنكر قد يكون منكرا أكبر من المنكر نفسه ، كما قرّر ذلك أهل العلم عند كلامهم عن أمور الاحتساب وبالتحديد فيما يتعلّق بالمصالح والمفاسد مما حصل من القتل والترويع والفساد أعظم من المنكر المراد تغييره .

فيا أيها الأخوة .. كفانا ما قد حصل وما أعظم وأشنع ما حصل .ألم تتفكّروا في دم معصوم أريق بغير حق ؟! فكيف بتلك الدماء والفواجع ؟!! .يا إخواننا .. ألم تتفكروا في تلك الأجيال التي فقدت آباءها وأمّهاتها كيف تكون حالها وقد فقدت حنان الأمومة والأبوّة وتذوقت مرارة طعم اليتم ، فمن يتحمل إثم يتيم واحد فكيف بأولئك اليتامى وأولئك الثكالى ؟!! .

يا أيها الأخوة .. اسمعوا نصيحتي لكم ، وأكرر لكم قسمي بالله تعالى ثلاثا ، لا أحنث فيها أن المستفيد من حمل السلاح وقتل الناس هو الشيطان ومن اتبع هواء بجهل .فيا أيها الأخوة .. احذروا ممن شحن صدوركم غيظا على بلادكم وأهليكم ومجتمعكم وزعم أن ذلك من الغيرة على الإسلام !! فوالله ما أراد بكم خيرا ، فإن كان قد تعمد إضلالكم فنسأل الله تعالى أن يكفيكم دعاة الضلالة ، وإن كان من جهالة من الأمر فنسأل الله تعالى أن يرده إلى طريق الرشد والصواب .

يا أيها الأخوة .. عند الله تجتمع الخصوم ، فاتقوا الله تعالى ، واحذروا أن يكون خصمكم على حق في شكواه إلى ربه ، وأعظم الشكاوى ما كان في أمر الدماء ، كما قال صلى الله عليه وسلم : (( أول ما يقضى بين الناس في الدماء )) .احذروا أن يكون خصكم ممن يطالب بدم ولده أو والده  بل سيطالب صاحب الدم بدمه كما صح في الحديث أن المقتول يقول لربه : يا رب سلّ هذا – أي القاتل – فيم قتلني ؟ فالحذر الحذر ، فليس الأمر بالهين ، فمن تلبس بشيء من إراقة الدماء أو أعان على ذلك فليبادر بالتوبة النصوح ، وليجعل نصب عينيه قول ربه تعالى : { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى } .

فيا شباب الجزائر .. يا من بقي في هذه الفتنة .. استعينوا بالله تعالى ، واغسلوا أيديكم منها ، وقدّموا للنا س الخير بأقوالكم وأفعالكم وجميع شأنكم ، فأمّهاتكم تؤمل عليكم وآباءكم يؤملون عليكم ومجتمعكم يؤمل عليكم .اطووا صفحة سوداء وافتحوا صفحة بيضاء واخلصوا النية لله تعالى وسترون من الله تعالى ما يشرح صدوركم ويقرّ أعينكم ، فالناس عندكم كما سمعنا وقابلنا يحبون الخير ويسارعون في فعل الخير ، وهذا مما يدل على طيبة قلوبهم وحسن نياتهم ، وهذا مما يعين على صلاح العباد والبلاد .

ختاماً .. اللهم إنك تعلم أني ما كتبت هذه الرسالة إلى طلباً وحباً للخير لحكومة الجزائر وأهلها عموما وشبابها خصوصا ، اللهم فاجعل لكلامي وكتابتي وقعاً في قلوبهم قبل آذانهم .اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى يا من تعلم السر وأخفى ، يا من على عرشه استوى ، يا مفرج الكربات ويا قاضي الحاجات ويا رفيع الدرجات ، اللهم ابدل حال الجزائر إلى أحسن حال ، اللهم أبدلهم بعد الخوف أمنا ، واللهم أجمع شملهم على الدين الحق ووحّد كلمتهم وأكفهم شر من أراد بهم شراً ، اللهم تقبل دعاءنا إنك سميع مجيب الدعاء .

كتبه الداعي للجزائر وأهلها والمحبُ لخير أهلها

عبد العزيز بن محمد بن عبد الله السدحان

مقالات ذات صلة