مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

فراق الشيخ ناصر السياري رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

«وإنا على فراقك يا شيخ ناصر لمحزونون»

الشيخ ناصر السياري رحمه الله تعالى

* عرفته ـ رحمه الله تعالى ـ من خلال معرفتي بابنه فضيلة الشيخ القاضي إبراهيم بن ناصر السياري أثناء دراستنا في كلية الشريعة في الرياض، كان الشيخ إبراهيم فرعًا كريمًا لأصل كريم، فكنتُ إذا سافرتُ إلى «شقراء» أعرِّج أحيانًا على منزل والد الشيخ إبراهيم لمحبَّتي للشيخ إبرهيم، فأجد الكرم والترحيب والفائدة، وكنت أرى والده أثناء تلك الزِّيارات فكان كبيرًا في أخلاقه وتواضعه وكرمه، وأشهد الله أنني كنت أفرح بلقياه كلما جئت «ضرما» في الطريق إلى «شقراء».

* كان ـ رحمه الله تعالى ـ بشوش الوجه طبعًا لا تكلّفًا، ومن لطيف أخلاقه شدّة إصراره على أن أزوره وأن أكثر من زيارته، فقلت له كلما جئت إلى «شقراء»: سأجعل بيتك كالميقات لا بُدّ من المرور به! فتبسَّم ضاحكًا وقال فيما معناه: هذا حكمٌ أرضى به ولكن لا يأتيني علمٌ أنك ما وقفت في الميقات ترى عليك فدية وعقوبة!

* وهكذا استمرَّت زياراتي للشيخ ناصر مستفيدًا من أخلاقه ومعلوماته التاريخية وصادق نصحه وطيب دُعائه، وأعترف بالتقصير في حقِّه فقد تجاوزت «الميقات» مرارًا.. لكن يشفعُ لي سعة صدره وقبوله لعُذري.

* وممّا عرفتُ عن الشيخ ناصر أثناء زياراتي له في منزله أنك تشعر بالترابط الأسري المحمود بينه وبين أولاده؛ فكان أحدُهم إذا تكلم رأيت الوالد منصتًا كأنه الأخ الأكبر وليس الوالد.

* كان يُرسل السلام إليَّ مع الأخ الحبيب سعد أبو خليل، وكذلك كنت أسأل عنه أحيانًا الأستاذ الكريم محمد بن عبدالله العوشن، فقد كان ـ أثابه الله ـ يخبرني أحيانًا عن الشيخ ناصر بحُكم مصاهرته لهم.

* اشتهر ـ رحمه الله تعالى ـ بتفرُّده بالأذان الأول للفجر، وعندما فقدوا أذانه ليلة موته شعر بعضهم بحصول مكروه له.

* كان ـ رحمه الله تعالى ـ كما حدّثني بعض أولاده يفرح إذا رآني في قناة المجد ويستمرُّ جالسًا حتى أنتهي، ويقول: هذا صاحبي.. ويشهد الله أني أعتبر محبَّة الشيخ ناصر وأمثاله تاجًا على رأسي.

* ممّا اشتهر به ـ رحمه الله تعالى ـ ضبطه لوقت الأذان، حتى إنّ كثيرًا من المساكن المجاورة لمسجده في «ضرما» يعتمدون أذانه دون غيره.

* وقد بلغني أنه بقي مؤذِّنًا بضعًا وعشرين سنةً.

* عرفتُ منه وعنه ـ رحمه الله تعالى ـ نزاهة لسانه من الغيبة والنميمة.

* ومن طريف ما حدث لي معه أنني كلما زُرته رأيتُ في منزله حجرًا مستديرًا لطيف الشكل جعله رافدًا للباب عن تحريك الهواء، فكنتُ أذكر له حُسن شكل هذا الحجر المستدير... المهمّ أنني بعد زيارة له أخذتُ الحجر وجعلته في سيارتي، ولمّا مشيت أخبرته بأني أخذتُ الحجر لأضعه لباب مكتبتي، فضحك.. ولمّا جئتُ زائرًا له مرَّةً أخرى حدّثتُه أنّ أحد الإخوة أعجبه الحجر وطلبه منِّي فأخذه منِّي هديةً، فضحك الشيخ ناصر كثيرًا وقال ما معناه: «السروق» ما يهدي، لي الأجر وعليك الوِزر!

ويشهد الله تعالى أنّ الدُّعابة مع الشيخ ناصر وأمثاله من كبار السنّ من باب إدخال السرور عليهم.

* رأيتُه آخر مرَّة في زواج عمر بن عبدالعزيز السياري، فعندما هممتُ بالخروج من القصر قابلتُ ابنه الأخ الكريم محمد بن ناصر السياري فسألته ـ كالعادة ـ عن أبيه وعن الشيخ إبراهيم وبقية العائلة فأخبرني ـ بل والله بشّرني ـ أنّ والده الشيخ ناصر السياري رحمه الله تعالى موجودٌ في القصر، فسارعتُ مع الأخ محمد إلى مكانه فرأيته جالسًا عليه سكينة ووقار، ترى نور الطاعة على محيَّاه، فسلّمتُ عليه، فهشّ وبشّ ودعا، ثمَّ عاتبني عتابًا مصحوبًا بدُعابة عتاب الوالد لولده، وكان ممّا قال: أين أنت؟ أبطأت عنّا. فقبّلتُ رأسه طالبًا السماح والعُذر، فتبسَّم بوداعته الطيِّبة ودعا لي، ولم أعلم أنّ تلك المقابلة هي آخر العهد به رحمه الله تعالى.

* توفي ـ رحمه الله تعالى ـ ليلة الخميس 26/10/1428هـ، ومن عاجل بشراه وممّا يؤكِّد صدق محبَّته في النفوس كثرة المصلِّين والمشيِّعين والمُعزِّين، وكثرة ذِكر محاسنه وطيب أخلاقه، والناس شهداء الله في أرضه، وقد أثنوا على جنازة الشيخ ناصر خيرًا.. واللهَ أسأل أن يكون في الآخرة في مقعد صدق عند ملك مقتدر.

* كتب ابنه فضيلة الشيخ إبراهيم ـ أثابه الله تعالى ـ مقالًا نشر في يوم الخميس ذكر فيه شيئًا من خصال والده، فأجاد وأفاد.

* فرحم الله تعالى الوالد وبارك في الأولاد والأحفاد، وحبّذا أن يقوم الشيخ إبراهيم بتدوين أخبار والده في رسالة لطيفة يستقرئ فيها أخبار والده ممّن عرفوه شابًّا فلعل عندهم ـ وهذا هو المتوقّع ـ من أخباره ما يزيد في ذِكر محاسنه ومضاعفة الدعاء له، وأحسب ـ إن شاء الله ـ أنّ تلك الرِّسالة ستكون من باب البرّ به ومن باب الانتفاع لمن قرأها وسمعها، فسيرة مثل هؤلاء الصالحين تبعث في النفس نشاطًا وهمّةً، وأتقرَّب إلى الله تعالى بالمشاركة في تلك الرِّسالة تقديمًا لها أو دعمًا في طباعتها... وفاءً منِّي لبعض حقِّ والدي الحبيب الزاهد المتواضع ناصر السياري. والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.

د. عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله السدحان

مقالات ذات صلة