مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

من ثمار رمـــــضان وآثـــــاره

الحمد لله  والصلاة والسلام على رسول الله..

أما بعد... فمعاشر المسلمين: ما أسرع مواسم الخير في الذهاب كنا بالأمس نرقب دخول الشهر وها نحن في آخر الشهر ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ الله نسأل أن يجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم.

 معاشر الصائمين: لقد صام معنا أول الشهر قوم وقبضت أرواحهم، وآخرون صاموا نصفه، ولحقوا بإخوانهم، ولا ندري أنكمل صوم شهرنا جميعا أم يقبض بعضنا ﴿ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي ولَا يَنسَى ﴾ فنسأل الله تعالى أن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

 معاشر الصائمين: أسعد الناس حظا بمواسم الخيرات هم أولئك القوم الذين يجتهدون في تحصيل ثمرتها ويبقى لتلك الثمرة آثار بعد رحيل تلك المواسم. وهذا الأمر في جميع أفعال الخير؛ فمن ثمار الصلاة الخشوع والسكينة وغير ذلك، ومن آثار تلك الثمار الاستقامة على الرشد والتمثل بما تأمر به الصلاة من الفضل والكف عما تنهى عنه من الفحشاء والمنكر. ومن ثمار الزكاة تنقية المال من الدنس والحرام، ومن آثارها تطهير النفس من الشح، وحب البذل في أبواب الخير إلى غير ذلك. ومن ثمار سماع الوعظ والنصح فتح أبواب الخير لتحصيل الأجر، ومن آثار النصح ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾.

معاشر الصائمين: إن شهركم هذا من أعظم مواسم التعبد، وفيه ثمار من الخير عظيمة، ففيه يهرع الناس إلى الصيام والقيام والتلاوة والاعتكاف والصدقات وكثير من القربات، وحسبكم بهذا الفضل في تلك القربات التي تجلب على فاعلها الأجر الجزيل والثواب العميم، ناهيكم عن ما يصاحبها من الراحة النفسية والبدنية والاجتماعية على صاحبها.

معاشر الصائمين: ومع كثرة خيرات شهر الصيام والقيام إلا أن بعض الصائمين يفرطون في آثار سكينة الصيام والقيام بعد رحيل الشهر؛ فيعودون إلى ما كانوا عليه من التقصير والعصيان، ولو أنهم جاهدوا أنفسهم ووطنوها على المحافظة على بعض القربات، وفي المقابل سارعوا إلى التخلص مما علق بذممهم من الآثام لربحوا كثيرا واستراحوا كثيرا.

معاشر المسلمين: ومن ثمار شهر الصيام الحرص على عدم فوات الصلاة مع الجماعة في رمضان بل الحرص على الإتيان مبكرا إلى الجمعة والجماعة، وهذا الأمر من النعم العظيمة التي يمن بها الله على من يشاء من عباده؛ فإذا كنت أيها الصائم تعرف من نفسك التأخر عن صلاة الجمعة والجماعة غير رمضان، فليكن من آثار شهر الصيام أن تجاهد نفسك على الحذر من التأخر في الذهاب إلى الصلاة، واحرص على ترويضها على التبكير، فالاستمرار على هذا بعد رمضان ومجاهدة النفس عليه من أعظم الأسباب لعلاج من بلي بكثرة فوات الجمعة أو الجماعة أو فوات بعض ركعاتها ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه».

معاشر المسلمين: ومن ثمار شهر الصيام أن المسلم يحرص على كثرة التلاوة في شهر الصيام؛ فقد يقرأ في اليوم ساعة أو ساعتين أو أكثر، والناس في هذا مستقل ومستكثر، والشاهد من هذا أن يحرص المسلم على أن يرتب لنفسه حزبا من القرآن الكريم في كل يوم أو أسبوع أو شهر يقرأ ما تيسر، ويحافظ على قراءة حزبه ما استطاع إلى ذلك سبيلا ليكون دائم التعلق بتلاوة القرآن؛ ففي ذلك من الخير والتوفيق ما لا يعلمه إلا الله.

معاشر المسلمين: وإن مما يؤلم النفس أن بعض المسلمين هداهم الله تعالى يهجرون تلاوة القرآن طيلة العام باستثناء رمضان، وهذا من التفريط في كثير من الخير؛ فاحرص يا عبدالله على المحافظة على نعمة محبة قراءة القرآن، واجعل لنفسك ساعة من الليل أو النهار تتفرغ فيها لتلاوة ما تيسر؛ فإن جمعت مع ذلك قراءة تفسير تلك الآيات التي قرأت أو بعضها فأبشر بالغنيمة العلمية والعملية.

معاشر المسلمين: ومن ثمار شهر الصيام المحافظة على صلاة الليل في أول الليل وآخره، وهذه من النعم العظيمة؛ ففي ذلك راحة للنفس وطمأنينة للقلب لمن وفق لذلك ناهيكم عن عظيم الثواب والأجر المترتب على ذلك. عن عبدالله بن سلام رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام» رواه أحمد والترمذي والدارمي. وقال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة بعد المكتوبة الصلاة في جوف الليل».

فعليك عبدالله أن توطن نفسك بعد رمضان على أن يكون لك حظ من صلاة الليل في أوله أو أوسطه أو آخره ولو ركعات يسيرة فأحب العمل إلى الله أدومه وإن قل كما قال صلى الله عليه وسلم.

معاشر المسلمين: ومن ثمار شهر الصيام أن الرغبة في فعل العبادة يسهلها على النفس، ولذا ترى الصائم في رمضان يمارس عمله الوظيفي والتجاري وغيره بسهولة ويسر، وهذا عائد على قوة عزيمة الصائم. فعليك أيها الصائم أن تحافظ ما استطعت على أن تحبب الصيام إلى نفسك بعد رمضان، وأن يكون لك حظ من صيام التطوع. وإن مما يلحظ على بعض الناس زهدهم في صيام التطوع وتثاقل ذلك، ولو أن هؤلاء تذكروا أنهم صاموا شهرا كاملا متواصلا، وجاهدوا أنفسهم فصاموا من كل شهر يوما أو يومين أو ثلاثة أو تزيد لكان في ذلك أجر عظيم فضلا عن المنافع البدنية.

معاشر المسلمين: ومن ثمار شهر الصيام طمأنينة القلوب وسكينة النفوس وزوال جميع أو كثير مما نفوس الصائمين من الأحقاد الدفينة التي تهدم ولا تبني وتفرق ولا تجمع وتفسد ولا تصلح، فسكينة الصيام والقيام تهذب النفوس من سيئ الأخلاق إلى حسنها؛ فعليك أيها الصائم إذا كنت مبتلى بشيء من أوضار القلوب كحقد أو حسد أو غل أن تجعل من آثار ثمرة الصيام والقيام المبادرة إلى التخلص من مظالم الناس برد الحقوق إلى أهلها وعقد العزم على عدم العودة إلى مثلها من المظالم الحسية والمعنوية، وليكن منك أيها الصائم جهاد لنفسك وقلبك في البعد عن الخصال القلبية القبيحة من غل وحسد وغيرهما، وهذا لا يتم لك بعد توفيق الله تعالى إلا بجهاد نفسك وتذكر الوعد لمن تركها، والوعيد لمن لزمها.

مقالات ذات صلة