مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

مقدمة لكتاب حديث المساء للإمام العلامة عبدالعزيز بن باز رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة لكتاب [حديث المساء] للعلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى

الحمد لله الذي رفع بالعلم أقواما ووضع به آخرين ، والصلاة والسلام على رسوله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد: فإن من أعظم ما يُورَّث بعد موت الإنسان : ميراثَ العلم ، وأسعدُ الناس بهذا أهل العلم الراسخون ، وهم كُثرٌ – بحمد الله تعالى – في العصور المتقدِّمة ، وقليلٌ هم في العصور المتأخِّرة ، وهم – على قِلَّتهم – قد جعل الله فيهم خيراً كثيراً ، ومن أُولئك القليل: شيخُ الإسلام في زمانه الإمام عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله تعالى – وهو – بحقّ – من الثُّلَة المُقدَّمة في علوم الشريعة.

والكلام في سيرته وترجمته منثور في كثير من المسموع والمرئيّ والمقروء.

وإنما الشأنُ هنا في ميراثه العلمي ؛ فقد ترك – رحمه الله تعالى – ميراثاً عظيماً من الكتب والرسائل والفتاوى ، بذل كثيرٌ من أهل العلم جهوداً في نشرها والعناية بها ، جزى الله الجميع خيراً. ولا يزال كثير من ميراث الشيخ حبيسَ الأشرطة وحواشي كثير من الكُتب التي كانت تُقرأ عليه ، فقيِّد طلابُه تعليقاتِه النفيسة ، يسّر الله – تعالى – إخراجها .

ومن ضمن ميراثه العلمي هذا الكتاب الذي بين يديك ؛ وهو مجموعةٌ من الأشرطة السَّمعية ، اجتهد في تحويل مسموعها إلى مكتوب ، وعُني بترقيم آياته ، وتخريج أحاديثه : تلميذٌ من تلاميذ الشيخ المقرَّبين له والملازمين له في داره وسياَّرته ، وهو : الشَّيخ الفاضل صلاح الدين عثمان أحمد ، الذي عمل أميناً لمكتبة سماحة الشَّيخ في منزله بضع عشرة سنة ، وقد رافق الشَّيخَ في كثير من أسفاره ، فضلاً عن تنقُّلاته في مكان إقامته، فأفاد كثيراً من الشَّيخ ، وما هذا العمل الذي قام بإخراجه إلا قليلٌ من كثير من حقِّ الشَّيخ عليه. ولقد أحسن بيَ الظنَّ أخي الشَّيخ صلاح ؛ فطلب منَِّي أن أقرأ الكتاب كاملاً مع التقديم لعمله ، فقرأته لإفادة نفسي وغيري ، وكذلك قرأته لتصويب ما أقف عليه من الأخطاء المطبعية ، وهذا ردٌّ قليل لمعروف منَ الشَّيخ عليَّ كبير.

ومما يحسن ذكره هنا ما ذكره ابن جماعة الكناني فيما يتعلَّق بمعرفة حقِّ الشَّيخ ، فذكر (( أنَّ على التلميذ أن يعرف حقَّ شيخه ، ولا ينسى له فضَله ، وأن يعظِّم حرمتَه ، ويردَّ غِيبَتَه ، ويغضبَ لها ، فإنْ عجز عن ذلك ، قام وفارق ذلك المجلس ، وينبغي للطالب أن يدعوَ للشَّيخ مُدَّةَ حياته ، ويرعى ذرِّيته وأقاربه ... )) إلخ ما جاء في كتاب ((تذكرة السامع والمتكلم)) (ص90) ، ومن قرأ مثلَ هذا الكلام ونظرَ في سِيَر السلف ، وكيف كانوا مع مشايخهم وبعد موت مشايخهم ، يرى تقصيراً بليغاً في حال كثير من طلَّاب العلم مع مشايخهم في زمننا هذا ، وكاتب هذه الأسطر أشدُّهم تقصيراً ، عفا الله عنه ، اللهمَّ اجزِ مشايخنا عنَّا خيراً ، اللهمَّ ارفع درجاتِهم في الدُّنيا والبرزخ والآخرة ، اللهمَّ اجمعنا بهم في فردوسك الأعلى ، اللهمَّ من كان ميتاً فارحمه ، ومن كان حيّاً فاحفظه.

وعوْداً على بدء ؛ يُقال : إن مما تميَّز به هذا الكتاب أنه نقْلٌ حرفيٌّ لكلام سماحة الشيخ – رحمه الله تعالى – بأُسلوبه المحبَّب الواضح ، وسترى – أيها القارئ الكريم – وضوح كلام الشيخ ، وعدم التكلُّف في اللفظ ، ومما تميَّز به سماحته – رحمه الله تعالى – : أن كلامه يفهمه العامي والمتعلِّم ، ويفهمُه ، الصغير والكبير ، كلامٌ في منتهى الوضوح ، لا غموض فيه ، ولا تكلُّف ولا تشدُّق ؛ فالذي يسمع محاضرات الشيخ ودروسه ومواعظه وإجاباته يرى مصداق ذلك ، وهذا هو الأنفع للناس ؛ لأنه بهذا تكون الفائدة مُشَاعةً لجميع المسلمين والمستفيدين ، ولا تتم الفائدة ،إلا بوضوح أسلوبها.

وما أجمل ما ذكره الذهبي في (( السير )) عن الأصمعي – رحمه الله تعالى – ؛ أنه قال: (( كنت إذا سمعت أبا عمرو بن العلاء يتكلَّم ظننته لا يعرف شيئا ؛ كان يتكلم كلاما سهلاً (1)، ومن أبو عمرو هذا ؟! إنه شيخ القُرَّاء والعربية (2).

وقد جعل الله – تعالى – لمؤلَّفات الشيخ وفتاواه انتشاراً وقَبولاً بين الناس ؛ وهذا – إن شاء الله تعالى – من حُسن نيَّته ، ويُذكِّرني هذا بمقولة الذهبي عن الإمام أبي إسحاق الشِّيرازي الشافعي : (( وبِحُسنِ نيَّتِه في العلم اشتهرتْ تصانيفُه في الدنيا ))(3).

وقد تضمَّن أنواعاً من العلم ؛ في الاعتقاد ، والعبادات ، والمُعاملات ، والأخلاق ، ناهيكَ عن فتاوى متنوعة ، مَورِدُها ومَصدَرُها : الأدلة الشرعية ؛ وهذا هو المعروف والمألوف عن منهجِ سماحة الشيخ رحمه الله تعالى .ختاماً:رحم الله الله شيخنا عبدالعزيز بن باز ، وجزاه الله عنا خيراً ، وجمعنا به مع والدينا ومشايخنا في الفردوس الأعلى ، آمين. وجزى الله الشيخ صلاحاً خيراً ؛ على ما قام به من جهد ، وزادنا الله وإيَّاه سَدَاداً في القول وتوفيقاً في العمل ؛ إنه – تعالى – سميع مجيب ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد السدحان

26/1/1431هــ 


(1) (( سير أعلام النبلاء )) ( 6/410).

(2) انظر كتابي : (( الإمام ابن باز دروس ومواقف وعبر )) (ص 55).

(3) (( سير أعلام النبلاء )) (18/462).

مقالات ذات صلة