مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

إلى الشيخ عبدالمحسن البكر بشأن قصة قتل أم قرفة وعصماء بنت مروان

الأستاذ الكريم الشيخ/ عبد المحسن البكر سلَّمه الله تعالى ... آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :

سألتَ رعاك الله عن خبرين وردا في السيرة ، وعن إشكال قد يرد حولهما فيه مستمسك لبعض ضعفاء النفوس ومرضى العقول .وإليك سددك الله تعالى جُهدَ مقصّرٍ في البحث ، يطمع بدعوة من أخٍ له في الله .

أمَّا الخبر الأول/ فقصة قتل ( أم قرفة ) ، وتسمى : فاطمة بنت ربيعة بن بدر .فقد ورد في السيرة عدة روايات عن كيفية قتلها ، وقصة سبب قتلها ، والذي يهمنا كيفية قتلها .- فقد جاء في بعض الروايات أن زيد بن حارثة – رضي الله تعالى عنه – أمر قيس بن المسَحَّر بقتلها فقتلها قتلاً عنيفا .- ورواية أخرى تقول : أن زيداً قتلها .- وفي رواية : أن قيس بن المسَحَّر ربط بين رجليها حبلا ثم ربط بين رجليها حبلا ثم ربط بها بين بعيرين ، ومع هذا الخلاف اللفظي لا يتعذر الجمع ، فيقال بأن رواية قتل زيد لها ، أي أنها قتلت بأمره بحكم أنه قائد السرية إلى بني فزارة ( قبيلة أم قرفة ) ، ورواية قتل قيس ابن المسحَّر لها قتلاً عنيفا جاء تفسير العُنف بالرواية الأخرى ، وهي ربطها بين جملين .وأمَّا كيفية القتل ، فقد يقال أن ذلك ليس بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم .ذكرت هذا على تقدير صحة الروايات .أمَّا على عدم ذلك فيقال أن الرواية معلولة سنداً ومتناً .فأمَّا سنداً : فهناك الإرسال مع ضعف بعض الرواة .وأمَّا المتن : فهو مخالفة لمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى – هذا في حالة كونه الآمر بذلك العقاب – بل ولا بأمر زيد بل هو باجتهاد من قيس بن المسحَّر هذا وجه ، ووجه آخر قد يقال لشناعة جرمها ، فقد ورد في بعض الرويات أنها جهزت أربعين راكبا لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم ليست من الأسرى ، لأنها في حالة محاربة .ذكرت هذا من باب أنه إذا صحت الرواية فسمعاً وطاعة ، وسيكون لها أبواب في تخريجها وإزالة الإشكال الذي قد يعلق .وأمَّا القوم يا شيخ عبد المحسن .. فلو جائتهم الحجج والبراهين تترى فلسان حالهم ومقالهم : (( ماذا قال آنفا )) جهلا أو تجاهلا .وللفائدة .. فقد أشار بعض من كتب في السيرة إلى أن الإمام مسلماً وأحمد والبيهقي والطبري أخرجوا رواية صحيحة في غزوة بني فزارة ، وأن أمير السرية هو الصدّيق – رضي الله تعالى عنه – وأن سلمة وهب جارية للنبي صلى الله عليه وسلم وفادى بها النبي صلى الله عليه وسلم أسارى من المسلمين كانوا في أيدي المشركين .وليس في الرواية تسمية الجارية ولا قتل والدتها(1) ، فإن كان السريتان – سرية الصدّيق وسرية زيد – سرية واحدة ، فهذه الرواية هي المقدمة لأمرين :أولاً : صحة سندها .ثانياً : تتماشى مع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في معاملة النساء في الحرب .

وأمَّا الخبر الآخر : فقصة قتل عصماء بنت مروان .فقد صحَّ في سنن أبي داود من رواية ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أنَّ أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ، ويزجرها فلا تنـزجر فأخذ مغولاً – قيل هو سيف قصير ، وقيل حديدة دقيقة ، وقيل غير ذلك – فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها ، فوقع بين رجليها طفل فلطخت ما هناك بالدم ، فلما أصبح ذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع الناس فقال : (( ألا اشهدوا أن دمها هدر )) . انتهى مختصراً . انظر سنن أبي داود 4 ص528 ، وذكره الحافظ ابن حجر في البلوغ ص255 وقال : رواه أبو داود ، ورواته ثقات .

ووردت تسمية ( عصماء بن مروان ) في قصة مشابهة لهذه ، ذكرها بعض أصحاب السير .وكما ترى فضيلة الشيخ أن إسناد القصة صحيح ، ولقائل أن يقول : أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمها لكنه لم يرتض كيفية قتلها ، لكن يعكّر عليه إقرار النبي صلى الله عليه وسلم ، ويؤكد ذلك أن الأمر في كيفية قتلها قد ذاع بين الناس ، كما يستوحي من قول الراوي : فذُكر ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم .وبكل حال فضيلة الشيخ ، ما قيل هناك – في خبر أم قرفة على تقدير صحته – يقال هنا أن شناعة جرمها وقبيح لفظها تشفع لسيدها في طريقة قتلها ، والله تعالى أعلم .وأزيدك هنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – ذكر رواية لخبر المرأة في كتابه ( الصارم المسلول ) أخرجها أيضا أبو داود في سننه من مرسل الشعبي عن علي ، وفيه أن المرأة كانت يهودية .

(1) يا شيخ عبد المحسن/ ذكروا هذا الوصف لأنه قد ورد في بعض روايات خبر أم قرفة أن السرية بعثت أبنتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

وحكم شيخ الإسلام على الحديث بأنه ( جيّد ) ، ورجح أن القصتين واحدة ، وذكر أن أهل العلم استدلوا بهذا الحديث على قتل الذمي ونقضه العهد ... الصارم ص61-69 .

فائدة استطراداً :ذكر بعض أهل العلم أن الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة معالجته لمسألة الأسرى أنه لم يكن يتجاوز مجموع هذه الحالات :

1- القتل .

2- المفاداة بمال .

3- الاسترقاق .

4- المفاداة بمن في أيدي المشركين من أسرى المسلمين .

5- العفـو .

وزاد آخر تقديم منفعة للمسلمين ، كما روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل فداء بعض أسارى المشركين يوم بدر أن يُعلِّموا أولاد المسلمين الكتابة . الحديث صححه الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله تعالى – 4 ص 47 2216 .

ومن باب توثيق العلم ، فقد استخلصت هذا البحث من :سنن أبي داود 4 ص528 .صحيح سنن أبي داود ، للشيخ الألباني – رحمه ا لله تعالى – 3 ص824 .أعلام النساء ، عمر رضا كحالة 3 ص284-824 .هذا بالنسبة لخبر عصماء بن مروان .أما خبر ( أم قرفة ) ، فأنظره – فضلاً – في :أعلام النساء 4 ص205 .تاريخ الطبري 3/84 .السيرة النبوية ، مهدي رزق الله أحمد ص474 .وهناك دراسة حول ( سرية زيد بن حارثة إلى بني فزارة ) ، وهي دراسة نقدية للروايات التاريخية ، وصفها د/ مهدي رزق الله بأنها قيّمة وجديرة بالإطلاع عليها ، وهي ضمن مجلة كلية الآداب – جامعة الملك سعود م13 ص61 – ص82 ( 1986م ) .ختاماً .. شكر الله لك حرصك ونشاطك ، وزادك من فضله ، وجعلك مباركاً أينما كنت 12/4/1422هـ

محبك في الله تعالى عبد العزيز بن محمد السدحان

مقالات ذات صلة