مكتبـــــة المقالات

2025-10-28 10:00:00

إلى الأستاذ الأديب أبي عبدالرحمن محمد بن عقيل بشأن تباريح التباريح

إلى الأستاذ الكريم الأديب اللبيب/ أبي عبد الرحمن محمد بن عمر بن عقيل حفظه الله تعالى ورعاه ، ووفقه لما يحبه ويرضاه ... آمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :

أكتب إليك خطابي هذا لأسباب كثيرة ، أولها : محبة في الله تعالى ، وثانيها : صلة ود والدي لأبيك ولك . وثالثها : شكر ودعاء على كلمات صادقة ووصايا نافعة متعدية لا قاصرة ، استمتعتُ بها ، واستفدتُ منها وأفدت بها من خلال قراءتي لكتابيك ( تباريح التباريح ) و ( شيء من التباريح ) ، فبارك الله في يد خطت تلك الوصايا القيّمة ، وشرح الله صدرا جعل صاحبه ديدنه سؤال المغفرة والثبات وحسن الخاتمة والنصح للمسلمين .

أبا عبد الرحمن ... قرأتُ ما ألمحت إليه تصريحاً وتلويحاً في كتابيك السابقين فمما قرأتُ فيهما:

1- التحدث بنعمة الله تعالى عليك اعترافاً بفضله ، وشكراً له ، وحثاً لغيرك . ص119 .وأوضحت – ونعم ما فعلت – رعاك الله تعالى أنه ليس الاعتراف بالذنب مجاهرة على إطلاقه بل قد يكون في ذلك موعظة للآخرين ؛ ليقارنوا بين حال من خاطبهم قبل تلذذه بالراحة النفسية وبعدها . ص112 – 113 . ص 116 .

2- الحث على بر الوالدين ، والتحدث عن عظيم أثر فقدهما . ص129 .

3- النصائح العلمية والمنهجية والسلوكية .

4- الثناء على جيل الصحوة .

5- التحذير من بعض دور النشر التي تحترف السرقات العلمية .

6- تذكر جيل شابت رؤوسهم في الإسلام – من أهل شقراء – غادروا هذه الدار الفانية ، والتلهف منك أيام قضيتها مع ذلك الرعيل الطيب الصادق ، وعَلِم الله أبا عبد الرحمن أنّي استشعر نزول عبرات عينيك بين عبارات قلمك ، وذلك من خلال لهفك وحسرتك وشوقك إليهم ، وكثرة دعائك لهم . ص58 ص102 ، ص127

الله اسأل أن يقر أعيننا بالاجتماع بهم في مقعد صدقٍ عند مليك مقتدر ، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .وبكل حال لقد استمتعت بقراءة ما خطه قلمك من منثور الحكم والأدب ، فشكر الله لك وبارك في قلمك وأدبك وروايتك ، وكم تحتاج صحافتنا إلى أدباء نزهاء يحيون الفضيلة ويحاربون الرذيلة ، وبخاصة أن ساحة الأدب قد نبت فيها نبتة عفنة دنّست أرض تلك الساحة فكدرت صفاءها وعكّرت نقاءها ، وقد تبوأ إثمها شرذمة من الكتّاب الذين نصّبوا أنفسهم أدباء وليس لهم من الأدب نصيب ، لا حساً ولا معنى ، فقد خلعوا جلباب الحياء والحشمة ،وتمردوا على الدين والفطرة ، والوا الرذيلة ، وعادوا الفضيلة ، حاربوا الحشمة والحياء ونادوا بالتبرج والسفور ، فللشر وأهله نصروا ، وللإصلاح وأهله كسروا .

الله نسأل أن يهدي ضال المسلمين وأن يرد كيد الكائدين في نحورهم ، وأن يطهّر صحافة المسلمين منهم وممن سار على منوالهم .كما نسأل الله أن يوفق ولاة أمورنا للقضاء على هذه الشرذمة التي تنخر في أساس المجتمع وثوابته.أبا عبد الرحمن ... لئن كانت أساليب الكُتّاب الأقدمين أربعة ، فأحسب أنك من أصحاب الأسلوب الذي يحاول أصحابه أن ينقلون إلى نفوس القُراء ما في نفوسهم بأصح عبارة يقدرون عليها وأوضحها لا يقصدون إلى تجميلها أو تحميلها ما لا تحتمل يتقصّدون الإيجاز ولا يحرصون على المجاز ( بتصرف من ذكريات الطنطاوي رحمه الله تعالى ) 2/25-26

أبا عبد الرحمن ... لا فض الله فاك ولا حرمنا قلمك في أسلوبك الأدبي الناصح ، وحُقّ لي أن أقول :- هنيئاً لنا إذا كان أدباؤنا من أهل الاعتكاف والتلاوة .

- وهنيئاً لنا إذا كان أدباؤنا يحمدون ويغبطون من سبقهم للخير ويندمون على ما سلف منهم من التقصير .

- وهنيئاً لنا بأدباء إذا أصابتهم مصيبة رجعوا إلى ربهم وتضرعوا بين يديه . ص110

- وهنيئاً لنا بأدباء يحثون أنفسهم وأقرانهم وتلاميذهم على الخير وخصاله .

- وهنيئاً لنا بأدباء ينقدون ذميم الشعر بحسب الميزان الشرعي ص81 .

- وهنيئاً لنا بأدباء يضمنون مقالاتهم الحديث عن حسن الخاتمة . ص132-134 .

وعزاء لنا إذا خالف أدباؤنا المنهج القويم ، المتمثّل في أمانة الكلمة ، ولم يستشعروا المسؤولية الصادقة في إصلاح المجتمع من خلال أدبهم .ولقد أحسن من قال : { لو نهض الشعراء والأدباء بمسؤولياتهم الأدبية لما وقع عالمنا فيما وقع من الويلات والمصائب ، وأكّد ذلك الإخفاق بأن سببه فقدان الشعور بالمسؤولية لدى أولئك الذين يملكون فن الكلمة ، وهم الكتّاب عامة والشعراء خاصة } ، إلى غير ذلك مما جاء في مقالاتهم في هذا الشأن ، التي ينص على أن صور الالتزام الأدبي وإن تعددت وتطورت فلا بد أن تنطلق من فضيلة يتعلق بها هدف اجتماعي .وأحسن من قال أيضاً : { فالفنان مطالب بأن يجعل الفضيلة محببة ، والرذيلة منكرة ، وهو مطالب أيضاً بأن يناهض انحلال الأخلاق ، ولهو الطائشين وانغماسهم في الملذات ، وذلك بتصوير الحياة الأسرية الوطيدة وعرضها على أنها هي الأكمل والأفضل } .

أبا عبد الرحمن ... من فقه التاجر أن يظهر أصناف تجارته أمام أعين الناس ؛ ليأخذ كل ما يريد ، ومن تفريط التاجر أن يظهر أنواع من السلع على باب متجره ويخفي كثيرا منها داخل مستودعه ، فيظن أكثر الناس أن هذا التاجر لا يبيع إلا تلك السلعة المعروضة ، ولا شك أن هذا التاجر سيحرم كثيراً من الناس مما يحتاجونه عنده .وهذا المثل لهذا التاجر أشبه بك أبا عبد الرحمن ، فمتجرك الذي علّقت عليه لوحة التباريح حَرَم كثيراً من الناس سلعا كانوا بحاجة لها ، فمن كان يعلم أن تلك التباريح تضم بين دفتي غلافها فوائداً متفرقة ومجتمعة ، لو جمعت تلك النظائر من الفوائد لكانت بحثاً مستقلاً ، صغيراً في حجمه عظيماً في نفعه ، وإن كان ثمة اقتراح فحبّذا أن تفرد بعض تلك النظائر من الفوائد فتكون أقرب إلى أيدي الراغبين من التزود العلمي الأدبي .

وعلى سبيل المثال من تلك الفوائد :

- تلك العبارات في ذم من قدّم العقل على النقل ، - الكلام عن منهجية القراءة ، - الكلام عن العين ، - الكلام عن التدخين ، كل ذلك وما سبقه وما يتلوه لو خرج في رسائل مستقلة بأسلوب أدبي رصين لانتفع به الأدباء بخاصة وغيرهم بعامة .وأبو عبد الرحمن - إن شاء الله تعالى – بذلك زعيم ، فعسى أن يوافق الـخَبر الـخُبر .فأنت يا أبا عبد الرحمن ( ابن بجدتها ) ، وأحقّ بها وأهلها ، وإياك أن يقول لك قائل : ( إنّ عليك جَرشا فتعشَّه ) فإني احسب رأيه هـذا ( إنما هو كبرق الخلَّب ) ، وأحسب أنك ( لأريض للخير ) ، فهذا ظني بك ، فلا تجعلني كقصير فـ ( لا يطاع لقصير أمر ) ، وأحسب أن رسائلك في تلك المباحث العلمية الأدبية سيكون لها أثر نفع متعدٍ إلى شرائح كثيرة من الأدباء وغيرهم ، فاستعن بالله ولا تعجز ، فحسن أسلوبك وبليغ عبارتك يشفع لي عندك في قبول اقتراحي – وعذراً إن قلت لك من طرف خفي – إلحاحي وليس اقتراحي، فليتسع صدرك وانظر ماذا ترى ، فأهل اللغة كما قال الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى - : ( ( هم جن الإنس يبصرون ما لا يبصر غيرهم ))ومن باب – الشيء بالشيء يُذكر – فلقد كلّمت الشيخ الأديب/ عبد الله بن خميس – أثابه الله تعالى – { عن كتاب قرأته له ، قد ضمّنه شيئاً من ربط أهل هذا الزمن برعيلهم السابق من الآباء والأجداد ومن سبقهم ، وحث هذا الجيل على تذكر ما أفاء الله عليهم من أسباب الهداية وما أسبغ عليهم من نعم تترى في الصباح والمساء } .

وقد اقترحتُ عليه أن ينحى هذا المنحى في كتاب آخر ، فقال لي : هل ترى هذا ؟ فقلت له : لو كان لي عليك سُلْطان لألزمتك فقال : أفعل إن شاء الله .وعوداً على بدء أبا عبد الرحمن ... استمر على هذا العطاء الطيّب ، فقلمك على ثغر وعليك – ومثلك يُعَلِّم ولا يُعَلَّم – بالكتابة فيما تستطيع من أبواب الخير ، وعلى رأسها التوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يتبع ذلك كبر الوالدين ، والغيرة على الأعراض وخدمة الدين ، والنصح للأمة .فإني ألمس في قلمك التوفيق والسداد زادك الله من فضلة وأمتعنا بقلمك .ختاماً .. اللهم إن لمستُ وأحسستُ الصدق والإخلاص في دعوات أبي عبد الرحمن وحسن ظنّه بك ، اللهم فلا تخيِّب رجاءه فيك ، واشرح اللهم صدره ، ويسِّر أمره ، وأقرَّ عينه ، وأنبت ذريته نباتا حسناً ، وأختم له بالحسنى ، وبارك في علمه وعمله وقلمه وفي شأنه كلّه ، واجعله وغيره سبباً في هداية من تلوّث قلمه من أدباءنا ، إنّك ربنا سميع مجيب .والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الداعي لكم بالخير عبد العزيز بن محمد بن عبد الله السدحان

خطيب جامع أهل أشيقر بالسويدي  كلية الشريعة - الرياض

مقالات ذات صلة